الذهب الأبيض : للقاص الطيب بنعبيد

الذهب الأبيض
الطيب بنعبيد

لم يستطع الحصول على سطل ماء من بئر الحي الصفيحي الوحيد إلا بعد صراع مرير مع السكان الذين كانوا يتبنون شعارا محولا هو (الماء للأقوى ) فكان سقي الماء معركة حقيقية تتطلب الجرأة وقلة الاحترام والاستعداد الدائم للحرب . أما المسالم فكان ملزما بالسقي في ظلمة الليل تفاديا للمواجهة .حمل السطل المشؤوم وعاد إلى مسكنه متأففا ، هو عائد وجد في طريقه قلم رصاص جديد .لم يلمس قلما منذ أن طرد من التعليم الابتدائي ، فأحس بحنين إلى الورقة ، وضعه في جيبه ودخل بيته الصفيحي منهكا من معركة الماء ، و فكر في تسلية تنسيه معاناته فتذكر القلم حمله بين أصابعه ثم قبله دون أن يفهم لماذا ؟ و أخذ ورقة من دفتر قديم ، فكتب اسمه وتذكر الفروض المدرسية فأحس بأسف لأنه لم يتابع دراسته فأصبح حاله على ما هو عليه . قلب الورقة وبدأ يرسم ما عجز عن تحقيقه في الحياة ، فلاحظ مستغربا أن كل ما يرسمه يتجسد فعلا أمامه في مسكنه ، فارتجف خوفا في البداية لكنه فكر في تحقيق أحلامه كما لو أن جن مصباح علاء الدين أمامه .فأحس بسعادة عارمة و بدأ برسم قصرا بأثاثه و سيارة و الكل يتجسد في الواقع وحاول رسم زوجة جميلة لكنه عجز عن رسمها رغم المحاولات لأنه لا يعرف الرسم أصلا ، و بعد إنهائه رسم ما استطاع رسمه .أراد أن يتأكد من حقيقة المجسمات التي رسم نماذجها ،فلمس جدار قصره فوجده حقيقيا فتشجع ودخل القصر ووجد كل شيء حقيقيا و بدأ يستمتع بكل ما رسمه داخل القصر و في فنائه و غرفاته وهو يرقص فرحا ... و لأنه يعاني من أزمة الماء فكر في الاستمتاع بهذا الذهب الأبيض ما أمكن ، لكنه انتبه إلى أنه نسي رسم الحنفيات داخل القصر ، فقرر الخروج من القصر و العودة إلى الورقة التي تركها بكوخه على الطاولة الموروثة ليرسم الحنفيات بالقصر، و يرسم الماء في المسبح ، ويرسم المرشات.. و لكنه وجد باب القصر مغلقا بإحكام ، فتش عن المفتاح ففطن إلى أنه لم يرسم أي مفتاح ، فحاول كسر الباب دون جدوى و فكر في كل الطرق الممكنة للخروج لكن دون جدوى ، لقد تأكد من أنه سجن نفسه إلى الأبد ، فتمنى لو أنه يحلم فقط ،مر الوقت طويلا وانتقل همه من التفكير في سبل الخروج إلى التفكير في كيفية الحصول على الماء وقد بدأ العطش يشتد به ، وفي لحظة اليأس بدأ ينادي و يصيح بأعلى صوته يطلب النجدة و لا أحد يسمعه ..
بعد شهور بدأت السلطات المحلية في تنفيذ مشروع هدم دور الصفيح لشق طريق رئيسية بالمنطقة فانتبه أحد العمال إلى وجود جثة رجل متحللة و في يده ورقة كتب عليها بالخط العريض الواضح بمادة ملونة لم تعرف :
"لقد مت عطشا لأني اهتممت بكل أنواع الذهب ولكني نسيت الذهب الأبيض"

اكتشفت بسعادة عارمة هذة الأقصوصة وقرأتها أكثر من مرة وكل مرة كنت أتمنى ألا تتوقف
أعجبت كثيرآ بهذه النهاية التشويقية التي أعادتني إلى عالم كتابة Guy de MAUPASSANT ولذة الإستمتاع بالقراءة والمكتوب.
شكرآ على هذة اللحظة الهدية ومزيدآمن الكتابات المبدعة المماثلة لإشباع شغف القراء.
خديجة الحمراني، أكادير

» اصمتوا ... و إلا : شعر، الطيب بنعبيد
» ابني شعر : الطيب بنعبيد
» البــــــــاب ، شعر: الطيب بنعبيد
» الفن بطل الحقوق / الطيب بنعبيد
» أين هي نخوة المغاربة ؟ الطيب بنعبيد