belboul Admin
عدد المساهمات : 1436 نقاط : 4414 تاريخ التسجيل : 30/03/2010 الموقع : المغرب -مكناس
| موضوع: الرؤيا الشعرية و الأيعاد الدلالية في قصيدة اعتراف للشاعر عبد السلام مصباح الإثنين ديسمبر 05, 2011 9:04 am | |
|
في قصيدة "اعتراف" للشاعر عبد السلام مصباح
أصدر الشاعر المغربي عبد السلام مصباح مجموعته الشعرية الجديدة " تنويعات على باب الحاء" عن دار القرويين ، و تضمنت ستة عشر نصا التزم في أغلبها بالتفعيلة و نصان اختار أن يخوض من خلالهما مغامرة الغوص في عالم قصيدة النثر، وهما "اعتراف" و "بطاقات إلى مدينة الفينيق "، سنحاول من خلال هذه القراءة اكتشاف عوالم نصه "اعتراف" و سنركز على الجانب الرؤيوي و الدلالي و أيضا المعجمي، راغبين من خلال هذه الملامسة تسليط الضوء على تجربة شاعر يشتغل في صمت، و اكتشاف تجربته مع قصيدة النثر و هو العاشق لقصيدة التفعيلة و كل من يتتبع إبداعه يلمس هذا ويدركه بجلاء. لا بأس من الوقوف عند العنوان باعتباره أول عتبة تصادف المتلقي، فهو يؤشر على دلالات تمهد للنص و يكون أيضا موجها لذهن القارئ في مرات كثيرة ،لأنه يوحي بما يوجد في النص فيساعد المتلقي على التقاط إشارات دلالية تزيل الإبهام والغموض ، و في مرات أخرى يكون زئبقيا لا ينسجم مع مضمون النص و يختاره الشاعر لإثارة القارئ و دفعه للقراءة و اكتشاف ما جاء في النص. "اعتراف" ،عنوان يحمل رسالة مباشرة إلى الآخر، سأبوح بأسراري و أعري ذاتي أمامه ، الشاعر اعتمد التنكير و أهمل التعريف و هو تعمد ذلك ، لأن اعترافه ليس أي اعتراف إنه اعتراف مثير، خطير، صادر من الأعماق ، و لا يكون إلا مرة واحدة في العمر، إن الشاعر عبد السلام مصباح اختار العنوان بهذا الشكل ليشرك القارئ معه في تجرته و لدفعه للإنصات بعد استحضار كل الحواس حتى يدرك حقيقة اعترافه و مضمونه. يقول الناقد محيي الدين صبحي عن الرؤيا في الشعر إنها : " تعميق لمحة من اللمحات ، أو تقديم نظرة شاملة، و موقف من الحياة يفسر الماضي و يشمل المستقبل "، توخينا إدراج هذا القول لاستكشاف البعد الرؤيوي في قصيدة "اعتراف" إيمانا منا بضرورة وضوح الرؤيا الشعرية لدى الشاعر، و وعيه بها حتى يقدم نصا فيه من الجمال ما يشفع له ليصنف في خانة الإبداع. إن الشاعر عبد السلام مصباح ، وانطلاقا من نصه يعي تجربته الباطنية و يدرك هواجس نفسيته المضطربة على المستوى العاطفي التي حاول ترويضها على مستوى القول ، ليخلق التوازن الذي يبعده عن حافة الضياع، فبوحه صادر من الباطن الجريح ، هذا البوح كان متمردا خلق تشويشا في ذهن المتلقي و أربك حواسه ، و لتحقيق هذا الغرض توسل الشاعر بالغموض ليخلق الدهشة التي ترتدي عباءة المتعة في نفس الوقت ، و لهذا نجده يوظف الصور الشعرية التي تحتفي بالانزياح و يخرج بالعبارات و المفردات إلى معاني غير مألوفة كقوله في المقطع الأخير مثلا : و تسكب نبيذها في عروقي جنونا إن العكس هو الصحيح فالشاعر يعيش حالة سكر و جنون بسبب هذا الحب الذي سيطر على كيانه كله ،فاعتمد المتناقضات ليهرب من حالة الاضطراب ، و قام مقابل ذلك بنسبتها إلى الآخر و يقول أيضا في المقطع الأخير : و زرعت بين الضلوع زهورا و نجوما و لغة مشاكسة كيف تزرع الحبيبة بين ضلوع الشاعر الزهر و النجوم و اللغة المشاكسة ، إما أن تزرع الجمال أو تزرع القبح ، إما أن تستجيب أو تعترض ، إما أن تقول نعم أو تقول لا . كل ما سبق ذكره يبرز وعي الشاعر بتجربته و رؤيته الشعرية، و إن شابها الغموض بسبب حضور الصور الشعرية بكثافة، لأنه أعمل فكره ، لم يطاوع الشعر، و لم يستسلم له ، نلمس ذلك في طريقة بناء نصه و على كيفية نموه وامتداده. إذا كان الشاعر عبد السلام مصباح قد استعان بالمتناقضات و اعتمد الهدم العلائقي و التصوير الخادع للحواس، فهو تحكم في مصير نصه و استحضر عنصر التوليد بتقنية محترف ، فتولدت الدلالات بشكل هرمي من القاعدة إلى القمة، حيث ابتكر و أبدع فبنى نصه على كلمة واحدة "أحبك" ،جعل للألف المقطع الأول، و الحاء المقطع الثاني ، و الباء المقطع الثالث ،و الكاف المقطع الرابع ، و رغم هذا التقسيم الذي يشد القارئ على المستوى البصري فإن الشاعر لم يهمل الوحدة العضوية ،حيث جاءت متماسكة لا يمكن فصل الألف عن الحاء و الباء عن الكاف مثلا ، لأن المعاني التي وردت في المقاطع تكمل بعضها بعضا . يقول رولان بارث :"أحبك لا تحيل الصورة إلى التصريح أو إلى الاعتراف بالحب ، و لكن إلى النطق المتكرر بصرخة الحب "،ما قاله بارث نلمسه في نص "اعتراف" ، صرخة الشاعر العاشق كانت انطلاقتها في بداية النص و حضرت في كل ثناياه و وصلت إلى قمتها في نهايته، و يمكن التمثيل لهذا المسار بالشكل التالي : - المقطع الأول :فتسامقت نخلة الألف ; الألف - المقطع الثاني : أمطرت الحاء مواويل ; الحاء - المقطع الثالث : على أعطاف المرايا باء ; الباء - المقطع الرابع : فتحت شرفات الكاف ; الكاف يوضح هذا الشكل الجهد العقلي و النفسي للشاعر فطاقته استنزفها ليعترف اعترافا صريحا بحبه ، هذا الحب الذي زلزل دواخله، لكن و رغم حالة اللاتوازن التي عرفها عاطفيا، كانت روح المشاكسة حاضرة على مستوى اللغة و الصورة الشعرية و يمكن التمثيل لذلك بصور من قبيل ؛ ( أطلقت عيناك ، اخضر الصبح ، زرعت بين الضلوع زهورا...... ) ، إذا كان الاعتراف هو هم الشاعر فالنص جاء غنيا بالدلالات التي تولدت عن البؤرة الأساس "اعتراف "و لإدراك هذا يمكن التمثيل لها بالجدول أسفله: المحطة الأولى الألف انغراس شوكة الحب في قلب الشاعر المحطة الثانية الحاء سيطرة الأحلام الجميلة و النشوة على نفسية الشاعر المحطة الثالثة الباء وصول حب الشاعر إلى دروته و استقراره في عروقه المحطة الرابعة الكاف تصريح الشاعر بحبه و بوحه بسره لحبيبته
إن الشاعر سافر عاطفيا و عانى في رحلته، عرف الألم و الأمل ،الاضطراب و الحرقة، لكن في الأخير صرخ كاشفا عن اللوعة التي تسكنه و تعذبه ، فكان حرف الكاف خاتمة اعترافه، و الجميل في النص هو بقاء الغموض حتى نهايته فالشاعر تعمد ذلك ليترك للقارئ هامشا للتأويل و يختار النهاية التي يبتغيها ، و هذا من جماليات النص الإبداعي عموما و الشعري خصوصا. إذا كنا قد أشرنا سابقا إلى أن الشاعر عبد السلام مصباح قد أعمل فكره فلأنه تحكم في لغته و أحسن اختيار ألفاظه وعباراته حتى يصل بنصه إلى ما يتوخاه، و في هذا الإطار لا بأس من الوقوف عند المعجم الذي ساد النص و لإدراك ذلك من الضروري الاهتداء إلى الحقول الدلالية التي فرضت نفسها و نجملها في ثلاثة حقول : - الحبيبة . - الأمل و الفرح . - الوجع و اللوعة . إن الشاعر استقى الألفاظ المرتبطة بالحبيبة من حقل معجمي متمرد ( أطلقت ،عربدت ،الطلقة، خيول ،يوقد ،هاج ،نار...) وعانق الطبيعة أثناء فرحه و أمله (بستان، فاكهة، نخلة ،اخضر، فراشات.........)، أما ما دل على الوجع فارتبط بذاته التي تنزف (قلبي، فينا، عروقي .....). يمكن بقراءة متمعنة للحقول الدلالية و المعجمية استنتاج الرغبة الكبيرة للشاعر في إيصال اعترافه برقة و حنان ، فلم يواجه التمنع بالقسوة و لم يستقبل تمنع الحبيبة بالتشاؤم ، و لم يعتبر ذاته ساحة صراع و مناوشات و إن كانت كذلك، حيت تميز بالعناد و التفاؤل في مقابل حبيبة متمنعة تتلذذ و هي ترى الحبيب يحترق لهفة و شوقا ، و تتجاهل وجوده و إن كانت تعرف حجم حبه لها فجاءت صرخة الشاعر مدوية متميزة و هو المؤمن بحبه ، لم يستسلم بل أعطى الفرصة كاملة لاعترافه حتى ينمو و يصل إلى الحبيبة و هو في دروته لغة ودلالة و تعبيرا. إن نص "اعتراف" نص زئبقي متعدد التأويلات ، و هذه القراءة محاولة للنبش في بعض جوانبه و محاولة لمسايرة جنون الشاعر و تذوق نبيذ الحب الذي ينضح به هذا النص المعتق ،و تبقى الحبيبة الحاضرة الغائبة عروسة يحتفي بها الشاعر أولا و القارئ ثانيا و كل قراءة تلامس النص ستكشف بعض خباياه و تضيء زواياه التي تسكنها الحبيبة المراوغة التي تتلبس كل مرة و تراوغ شأنها شأن لغة الشاعر الذي أصيب بلعنة حبيبته فاكتسبت لغته العديد من صفاتها.
الإحالات : - الإبهام في شعر الحداثة ، العوامل و المظاهر و آليات التأويل ، عبد الرحمان محمد القعود ، المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب ، الكويت . - شذرات من خطاب في العشق ، رولان بارث ، المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب ، الكويت ************ نور الدين بلكودري
عن:http://www.almonkhol.net/
| |
|