المهدي ياسين
متخصص في الدراسات الإستراتيجية
عمق التغيرات في المنهج الاقتصادي سواء على المستوى العالمي و إعادة الهيكلة على المستوى الوطني و المحلي، جعل المقاولات الوطنية ، الكبرى منها أو الصغرى، أمام محك حقيقي و صعب إذا أرادت الاستمرار في عملها و التأقلم مع المتغيرات السريعة التي تحدث في البيئة التي تحيط بها. هذه التغيرات تطرح إشكاليات عدة للشركات كيفما كان حجمها، منها إشكالية المحافظة على التنافسية، التحكم في التكلفة و الحصول على التكنولوجيا المناسبة. في خضم هذه الإشكاليات يتحتم على الشركات و المقاولات إعادة النظر في طرق إنتاجها و منهجية تلبية طلبات زبنائها.
و من أجل ضمان مسايرة هذه الضغوطات و الإكراهات من طرف الشركات الكبرى أو المقاولات الصغرى ، عملت الدولة المغربية على بلورة عدة برامج و إعطاء تحفيزات الهدف منها التشجيع على الاستثمار و المحافظة على مناصب العمل.
و في هذا الإطار، نذكر برنامج تأهيل المقاولات الصغرى و المتوسطة الذي يرمي إلى تقوية تنافسية هذه المقاولات خلال مراحل نموها. و معلوم أن المقاولات الصغرى و المتوسطة تبلغ نسبة 95 في المائة من مجموع المقاولات الوطنية بالمملكة.
غير أنه يجب وجود بعض العوامل الأساسية لتوفير الأرضية اللازمة لنجاح هذه المبادرات.
و من جملة هذه العوامل التي ستساهم في نجاح تأهيل المقاولات الصغرى هو التخطيط الإستراتيجي. و قد يحاجج البعض بأن التخطيط الإستراتيجي يخص فقط الشركات الكبرى غير أن تجارب دول عديدة أثبتت فعالية تطبيق مناهج التخطيط في المقاولات الصغرى و أثره الجيد على رفع القدرة التنافسية و تنمية المبيعات و الموارد. بالإضافة لهذا، فإن التخطيط الإستراتيجي وسيلة للتبصر للمستقبل من خلال ملامح المقاولة . و يمكن القول بأن هاته العملية و في إطار التأهيل ترسم طريق الانتقال ما تطمح إليه المقاولة .
وتجدر الإشارة هنا أن التخطيط الإستراتيجي سيسمح للمقاولات الصغرى و المتوسطة من الانتقال من ثقافة " القضاء و القدر" إلى ثقافة "الاستعداد و التهيئ للمستقبل".
و التخطيط الإستراتيجي هو أسلوب علمي منظم ينتج عنه تحديد الأولويات و توضيح أهداف العمل و ضمان التناسق بينهما. وهو يحدد أيضا الاختيارات الممكنة و المطروحة و كذلك الموارد الضرورية للوصول إلى الأهداف المرسومة. و من نتائجه الأولية هي تحديد الرؤية العامة للمقاولة و جعلها تساير ظروف بيئتها.
و من خلال عملية التخطيط يتم القيام بتحايل معمق لبيئة المقاولة لتكوين فكرة شاملة حول مكامن قوتها و ضعفها، مؤهلاتها و التهديدات الخارجية و التحديات المتلاحقة. هذه التحليل يمكن أن نقسمه لقسمين:
(Internal analysis) - تحليل البيئة الداخلية
(external analysis) - تحليل البيئة الخارجية
و تعرف هذه التحاليل بالمسح البيئي للمقاولة.
و تتجلى تحليل البيئة الداخلية في دراسة القدرات الذاتية و الموارد التي تتوفر عليها المؤسسة أو المقاولة و ذلك من خلال تحليل المعطيات التاريخية لشركة، الهيكلة الوظيفية و التنظيمية ، وسائل الإنتاج و المهارات التي تتوفر عليها المؤسسة أو المقاولة. أما تحليل البيئة الخارجية فيتمثل في تحديد العوامل التي لها تأثير مباشر على المؤسسة مثل القوانين الجاري بها العمل. ومن جملة الأدوات المستعملة في هذا السياق التحليل الرباعي
.(Benchmarking) و التقويم بالمقايسة (S.W.O.T)
و كنتيجة لعملية السابقة الذكر يتم تحديد الأهداف سواء الإستراتجية منها و التنفيذية و كذلك الفجوة الإستراتيجية و هي المسافة بين الواقع و الطموح. و غالبا في هذه المرحلة يتم تحديد الصفات و الملامح التي ستميز المقاولة عن نظيراتها و قريناتها في سوق المنافسة.
(Consultant)و لضمان تخطيط جيد، يمكن للمقاولة أن تستعين بكفاءات خارج المقاولة و لمدة محددة. و هذا الاختيار راجع أساسا إلى أن هذا الشخص يكون مجرد من أي إحساس عاطفي نحو المؤسسة مما يتيح له تكوين رأي على أساس علمي و إعطاء و جهة نظر خارجية.
و في الختام، يجب القول أن التخطيط الإستراتيجي مبني على مبدأ "التحديد" و مبدأ "التحليل".
فالمبدأ الأول يحدد الرسالة، الرؤية و القيم أما الثانية فهي تحلل المقاولة و المستفيدين و المنافسين. وكل هذا في تناسق وتكامل تام مع جميع المتدخلين. و هو ضرورة و ليس غاية في حد ذاتها لضمان نجاح تأهيل المقاولة.