belboul Admin
عدد المساهمات : 1436 نقاط : 4414 تاريخ التسجيل : 30/03/2010 الموقع : المغرب -مكناس
| موضوع: جولة في رواق أطياف مائية لأحمد زنيبر ( ديوان شعري) دراسة بقلم الأستاذ عكاشة البخيت (وجدة( الأربعاء أغسطس 31, 2011 1:01 pm | |
| يعتبر الباحث الناقد أحمد زنيبر من الكتاب المغاربة، الذين استطاعوا أن يدونوا صفحات رائعة ومشرقة في ميدان النقد والكتابة الأدبية · فعطاؤه الموزع في ثنايا المنابر الإعلامية المتخصصة، ورقيا وإلكترونيا، يتسم بالتوهج والعمق والتنوع، يواكب الحداثة بهوية تحمل ثقل الواقع وما يزخر به من مشاعر وعوالم ضاربة في عمق الأعماق، وقلمه سائر على درب الإبداع دراسة ورصدا وتحليلا..في هذا السياق الأدبي الحافل بالعطاء، يطالعنا أحمد زنيبر بأول ديوان شعري له، صادر عن دار أبي رقراق للنشر والتوزيع 2007، يقع في اثنتين وثمانين صفحة، ويضم خمس عشرة قصيدة، اختار لها عنوانا مميزا هو: “أطياف مائيةّ”. ولعل الحديث عن الشعر كجنس إبداعي، في هذا العمل، يقودنا إلى الحديث عن تجربة الشاعر المرتبطة بالموسيقى وعروض القدماء، حيث تحفل قصائد الديوان بعدد من التفاعيل الخليلية، منها فاعلن ومستفعلن وفعولن وفاعلاتن ومتفاعلن. ونتيجة مزج الشاعر بين هذه التفاعيل واللغة وجانب التشكيل، تحولت قصائد الديوان إلى لوحات بديعة تشكلت وفق ما اقتضته تجربة الشاعر الإنسانية من أحاسيس ووجدان نابضة بالحياة، تتخذ الفن قبلة لها.ومن ثمة، يستقبل المتلقي القصيدة أولا، ثم اللوحة الزيتية أو المائية ثانيا، هدية له على مشاركته في تشكيلها ورسمها وتلوينها والتمتع بها، من خلال ألوان قزحية لا ينضب معينها، عبر لغة تستدعي الألوان الطبيعية والضوئية إلى الصور المتفاعلة في القصيدة وتضفي على اللوحة بهاء ورونقا. */ جمالية الصورة وتشكيلهاإن الصورة الشعرية عند أحمد زنيبر ليست جزئية، كما عهدناها عند غير قليل من الشعراء القدماء، بل هي القصيدة ذاتها. تلك القصيدة، التي تخلف وراءها لوحة زيتية أو مائية مكتملة الأشكال والألوان والحركة. فالشاعر يكتب ويرسم، في كل الأحوال، حينما تغمره السعادة تجده حاملا ريشته داخل لغته، يلون حقولها ومعاجمها بإشراقاته وظلال وجدانه ونور صوفيته، وأحواله ومقاماته وكشفه وإلهامه. يقول من قصيدة “أطياف مائية”: (ص77)تتهادى الكلماتساعة الجذب أناشيد خفيفة..تطلق الشوق حماما كلما هاج الفؤادواستطاب الأنس لحنا في ممرات لطيفة..وليس غريبا أن ينهل الشاعر أحمد زنيبر من مدرسة التصوف بمدينة سلا، التي اشتهرت به في زواياها المتعددة ، لذلك أحبها بكل تناقضاتها، حيث عمقت حياته الروحية وإرادته بما وفرته له من طرق. والجَذْبٌ في التصوف: حال من أحوال النفس يغيب فيها القلب عن علم العالم السفلي ويتصل فيها بالعالم العلوي، لذلك كان الفن والتصوف عند الشاعر يسيران جنبا إلى جنب في اتجاه واحد.أما حينما تجتاح الشاعر غيوم الحزن والقلق والانفعال، فتراه يهرع إلى ذاته ويغوص داخل فضاءات معتمة الأغوار يستخرج منها صورا وألوانا قاتمة أو حمراء تقطر شفقا وينابيع ساخنة، عذبة ومالحة، حيث يضع فيها ريشته اللغوية ويضفي على إبداعه مسحة من الحزن ممتدة الظلال في ثنايا القصيدة وفي انعكاساتها الضوئية. يقول أحمد زنيبر في قصيدة “سر الظلال”: (ص25)حينما ترتدي العتمة معطفا من رمـاد ترسم خلـفهـاشكل من ينحت ظله عند جـدران بيت هوى مـن فساد!يمرق الشاعر منيكالريح العتـي باحثا عن قصـيدته كي يعيد إليها أسرارها…وعلى هذا الأساس تصير الكتابة، بما هي صور وأخيلة، عند الشاعر حالة شعورية وجذبة خفية، تتميز بالميل، والمحبة، والعشق والجنون والرمز والإشارة. لتبقى الكتابة أخيرا في وجدان الشاعر رسما بالكلمات. فاستمع إليه وهو يحدثنا في قصيدة “ماء البوح” عن هجرة الشباب إلى الخارج وأحلامه المتكسرة: (ص59)رام الفتى مذ صار وهجا حلمهكالضوء وسْط الدائرة يبغي ربيعا نافذا أنسامه البيضاء تلقي سحرهابذي البلد عل الظلام الشارد يصفو له كي يكتفي أو يختفي مثل البـرَدْفالوهَج والضوء والدائرة والربيع والبياض والسحر والظلام الشارد والبرد وغيرها، كلها ألفاظ حقول معجمية ودلالية يحتاجها الفنان التشكيلي ليزين بها فضاء لوحته الطبيعية. ولعل قصيدة الشاعر معرض للوحات فنية خالصة. فأثناء تعبيره عن الفرحة والآمال يغلب على اللوحة طابع الصفاء، وحين يكون الحزن حليف الموصوف تعبر اللوحة عن الألم والأمل بوسائلها أثناء اشتغال الدلالة. يقول الشاعر:هاهو ذا الفتىبلا فجر بلا ليل أميرْ تشابهت عيناه كخفي حنـيـنْ ….. مد الفتىنظراته نحو السماء كرتـيـن وهنا تصوير دقيق، لذاك الفتى، وهو في عرض مياه البحر والأمواج تبتلعه وعيناه شاخصتان في السماء. إنها لوحة ذات مناظر مؤلمة يقول عنها في آخر القصيدة:هل من سبيل نحو أفـق باسميحمي فـتى هـذا الـزمان ؟ */ جمالية المكان وشاعريتهتستوقفنا في ديوان “أطياف مائية” أول قصيدة تحت عنوان “ذات حب” وهي قصيدة في مديح مدينة سلا، حيث يقول الشاعر في مطلعها: (ص7)ذات حب عبر لم يغب لحظةأو غـفا من كبر هو ذا الطيف عاد لست أنساه مـن فيـضه الغـامركالنـهـر فالشاعر يفتتح هذه القصيدة بالحديث عن الحب العابر في ذاكرته مشبها إياه بالنهر الغامـر بالمحبة والأحلام وبالذكريات كذلك. وهو حب منطلق في اتجاه الشاعر بإيقاع (الخبب) المشتق من جري الخيول (فاعلن فاعلن) كما هو وزن القصيدة، حيث يصبها دفعة واحدة في أعماقه ليعود إلى سكونه وهدوئه، يقول:عـاد في رحلـةلم يـطل نبـضها واكـتـفى ..بالأثــر والملاحظ أن هذا المقطع الشعري، الذي يتحدث فيه الشاعر عن ذاته ووجدانه، مقطع مكتوب ومرسوم، في نفس الوقت، على بياض الورقة على شكل نهر (S) بالكلمات فقط، إذ ينطلق من بداية النص: (ذات حب) ويبدأ الانعراج في (من فيضه) ويكمل دورانه عند (كالنهر) ثم يعود إلى مجراه الطبيعي إلى (عاد في رحلة) ليتوقف عند (بالأثر). إنه نهر حي حفرته الكلمة وحركته أوزانها وتشكل صورة نابضة بالحياة والحيوية لتحفيز الشاعر لخوض غمار التجربة الشعرية والتشكيلية معا.إن قصيدة “ذات حب” تختزل مشاهد تجريدية للمكان (سلا) مستلة من وجدان الشاعر المشتمل على ألوان وأطياف مائية، زين بها الفضاء الشاسع في لوحة فنية تتكامل فيها الحركة مع الصور المتشكلة في المخيلة. تلك المخيلة التي تلقي بفنين مختلفين في آن واحد: الكلمة وانعكاسها الضوئي على ذاتها فتستحيل صورا متناسقة في فضاء مفتوح متكامل يلفه الجمال، جمال اللغة وجمال اللوحة الصادر عنها. يقول الشاعر:ما سلا إلا فيض سحر وخيال يشدو..هل بعيد سلاعمر يسلو؟ “ذات حبّ إذن، قصيدة جمع فيها أحمد زنيبر بين الذات والمكان والطبيعة والجمال. وهي تيمات وأشعار أو أطياف مائية بألوانها القزحية ذات أذواق متنوعة نابعة من أعماق الوجدان أنهارا متدفقة تشق صخوره لتنبع شلالا ثائرا يروي عطش الشاعر ويكسب الشعر فصلا ربيعيا يزخر بالألوان والأصباغ الطبيعية. غير أن الجمال عند الشاعر ليس مقصورا على جغرافية المكان، بل يشمل جميع العناصر التي تؤثثه من بحر ونهر وبنايات وإنسان وحيوان.إن مدينة (سلا) بالنسبة للشاعر هي الوجدان والتاريخ والحضارة والنقاء والصفاء والموسيقى والموشحات والأزجال، بالإضافة إلى ماضي الشاعر بأفراحه وأتراحه. وهي رئته التي يتنفس بها. يقول:هللي .. يا عيون السماء واحتفي بالمطر في سلا رقت الذكرياتوارتقت سلما من زهر..ثم يواصل الشاعر استعراضه لجمالية المكان/سلا، من خلال مناظر وكلمات وإيقاعات منسابة، ليعمق الصورة الشعرية ويمنحها تشكيلا فنيا يجمع بين ذكريات الذات ومناظر الطبيعة من غيوم ممطرة وسلالم من أزهار وطيورا سابحة في الفضاء وحماما ساجعا حول هذا المكان. ولعلها علامات رمزية ودالة على حضور هذه المدينة، وقد تبدت مطلة على شاطىء البحر ومخيمة على جنبات وادي أبي رقراق، يصنع الخيال بها وبأهلها ودروبها ما يشاء داخل إطار اللوحة/القصيدة.أما المروج المخضرة فهي مكسوة حللا ربيعية مختلفة الألوان والأحجام والأشكال والقمر يرسل أشعته الذهبية، لتنعكس بدورها على صفحات الماء الجارية على أديم الأرض ولتفيض بألوانها على الأماكن فتزيدها شاعرية تقوي ارتباط الشاعر بها ويرتوي من حبها الفياض. يقول خاتما:هللي.. يا مروج القمر من صفاء الفؤاد الذي ما روىعشق ربع إلا ارتوى ذات حب بدربي عبر.. ختاما أعترف أنني تمتعت بالديوان كل التمتع، لكونه مدعاة للتأمل والغوص في صوفية الشاعر ووجدانه ومرآته الصافية، التي تعكس لوحات طبيعية تمتاز بجمالية الأمكنة وجمالية الكلمات دراسة بقلم الأستاذ عكاشة البخيت (وجدة( | |
|