هي ذات صلبة معاندة و مشاكسة، قادرة على تحمل كل المسؤوليات و أمام الملأ، و لو لم تقل أو تفعل شيئا فيكفيها الاعتراف بوجودها؛ بوضعها داخل شباك الاتهام و الأحكام، و طبعا في هذه الحالة تشعر بالارتياح؛ إذ تقتنع بأنها موجودة ما دام شعارها مع الكل أي الآخر مهما كان قريبا أو بعيدا بدون استثناء هو: كن قويا ما شئت، أنانيا ما شئت و افعل ما يبدو لك أو تقتنع أنه صائبا، فأنت مصدر الخير بل كل الخير، و إذا ما كتب الفشل أو ناتج سوء التقدير فهي المسؤولة دون منازع. فهي الضعيفة المتهورة إلى حد التسيب و ما دمت أنت سعيدا عاديا و إذا ما حدث ما يكدر الصفو أو يعكر المزاج فلا تقلق فهي طبعا و هذا مطبوعا بشخصيتها. و لو كانت غائبة في الغياهب فهي السبب، و إذا اسودت الأيام و كشرت عن أنيابها، فهي لها في إطار الواجب بكل تواضع لا يستحق الذكر.
وضعية مواجهة القضاء الغيبي و القدر، جبروت التاريخ و طغيان الواقع الاجتماعي بنوع من الدّعة و المشاكسة الظاهرية؛ بنوع من المكابرة و في نفس اللحظة من الزهد. تقولون هذه العين السليبة، تقول: سليبة خاصة نوعية تجعلها دائما قطبا روحيا في المعارضة المجردة من مقومات المواجهة، و مع ذلك تفاجئ لأنها تمارس فعلها في اللعبة، في الصف الآخر فيحدث التغيير المطلوب، مما يبقيها دائما في موضعها. لم تحول و لن تحول الدموع و العبرات إلى كلمات، لن تصوغ الآهات و التوجعات إلى عبرات، لن تخضع و تدفع بالتوجسات إلى أقصى المتاهات، لن تقسم و لن تساوم.
مع الآخر دون سواه مهما كان، لم و لن تكلمه بالعواطف و الوجدان، و لا بالعقل و الحسبان؛ و لن تتوجه إلى قلبه و عقله و لا إلى ضميره كمعطى تاريخي، سياسي و اجتماعي. لأنها لم تملك و لا تملك مقصدية أرادت أو تريد تحقيقها لتبحث عن جسر إليها لذا لا تبرر و لن تبرر. فناتج الظروف الاجتماعية، التاريخية، الاقتصادية، إنسان رجل أو امرأة أو غريبا عجيبا يكونهما معا و تجلى كثيرا في ذاتها هي؛ لطالما خشيت أن يتقمص هذا الكائن الغريب شخصها لكن للأسف هذا ما حدث فعلا. هذا الكائن العجيب الغريب يؤثر في الآخر بكيفية عجائبية، فينتج داخل ذهنه الحيرة و يربك حساباته؛ بأي قانون طبيعي، اجتماعي، ديني،........ يُؤًول ما يصدر عنها من علامات ليتواصل معها، فيحكم أنها غريبة الأطوار، عجباُ !!!؟؟؟ نعم غريبة الأطوار و مع ذلك منبوذة، أي قضية المحبوب/ المنبوذ بمعني المنبوذ ذا فائدة.
حاولت كثيرا أن تكون هي ! هي ! فعلت و تفعل ما رأته لائقا، مقنعا، رائقا، سائغا و مقبولا. فقد كانت و لازالت الفاعل المنفذ المرفوع لها قاعدة خلفية رافعة؛ و إن لم تكن الفاعل في بعض الأحيان فقد احتلت رتبة المبتدأ و كل الوجود، العالم و الحياة لها خبر. و مع ذلك في بعض الأحيان أو المواقف أبدت مطاوعة مؤقتا ربما لأن الأمر يعود فوق طاقتها بكثير، مما كلفها كثيرا لكي تحتل مرتبة وسطى بين ما يتطلبه الموقف خاصة و الواقع عامة، فذاتها و شخصها على طبيعتها خاصة و أن التربية التي نشأت على مبادئها غريبة عن المجتمع المغربي. فقد حاولت كثيرا في حياتها أن تكون متحكمة و سيدة صاحبة سلطان على مشاعرها، لتجعل من نفسها نموذجا فوق دونية المرأة في العالم الثالث. نعم تربيتها التي جعلتها مهيأة للنضال على جميع المستويات و بمسؤولية. و لكن في بعض المواقف تخونها قواها فتضعف لتهب بذلك عليها رياح سموم، أخذت معها ما عليها من قوة عزوم فتركت الساحة، فأين الصبر و الجلد، القوة و العناد؟ أين الإصابة في الرأي و السؤدد؟ أين حسن الإصغاء و القرار؟ أين هي ذاتها؟ أين...؟ أين هي ذاتها بخصائصها التمييزية؟ أين الإرادة و المبادئ؟
بعدما أصبحت انفعالية و سلوكاتها مجرد ردود أفعال غير مبررة و ميكانيكية، فهي إلى حد الآن تقاوم و تعاند رغم بعض السقطات فهي تداري الآلام و تبتسم، تضع الآخر في المرتبة الأولى تسعده، تصوغ الآهات و تبتلعها كجمرة لكن تكابر و لا تظهر ما بداخلها فلا يهمها واقعنا المر، لذلك تعمل وفق ما تراه مناسب و تتبع مبادئها. تضحي و تعمل ما دامت هي الفاعل المنفذ المرفوع المؤثر في المفعول به و تبسطه و تجعله أفضل من منظورها، فهي محنكة لمواجهة العالم رغم ما تبديه في كثير من الحالات من بساطة. لقد وضعت نصب عينيها لا للانعزال فهو طريق الفشل و الحمق، و لا للتهور و العمل غير المحسوب فهو طريق المهاوي الحمقاء، لأن خير الأمور أوسطها و ما أنجز بالعقل. فهي مؤهلة لتحيى بكرامة مهما طال الزمن، لذا فهي لا تحاسب و لا تكره، لا تنتظر جزاء من الغير و لا عرفان.
فعندما تحتار تحتكم لعقلها، فإن توقف عن العمل فإلى قلبها، فإن كان غافيا فإلى التعامل بالمثل رغم أن هذا السلوك متخلف فهو على الأقل يوجد في خط التماس خارج الدونية وليكن هذا مع أي كان. لكنها لم تتعامل بهذا السلوك إلى غاية الآن ما دامت تفضل أن تٌظلم على أن تًظلم، فمبادؤها لا تسمح بذاك السلوك الدوني خاصة في السوء، فالمشاكسة الطيبة أولى من المناورة، و المكابرة أحق من المطاوعة بخضوع أما التكتم أبسط مدخل للسرية، و الثورة أقوى من إصلاح الأخطاء خطا و نحوا و فنونا و وجودا مهنيا و اجتماعيا.
هي شخص معين، نعم جمرة في الحلق و الصدر من ذهب و نور ونار.
أ. كريمة بكراوي